ثم
ذكر قصة بدء الوحي إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم والقصة في
الصحيحين
- وفيها " أن
أول ما
نزل عليه
اقرأ باسم ربك
الذي خلق
إلى قوله
ما لم يعلم
ثم
أنزل عليه ( 74 : 1 - 7
)
يا أيها المدثر قم فأنذر
وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر
فمن
فهم أن هذه أول آية
أرسله الله بها ،
عرف أن سبحانه
أمره أن ينذر الناس عن الشرك الذي يعتقدون أنه عبادة الأولياء ليقربوهم إلى الله قبل إنذاره عن نكاح الأمهات والبنات
وعرف أن قوله تعالى
وربك فكبر
أمر بالتوحيد قبل الأمر بالصلاة وغيرها .
وعرف قدر الشرك عند الله وقدر التوحيد . فلما
أنذر
صلى الله عليه وسلم الناس استجاب له قليل . وأما الأكثر فلم يتبعوا ولم ينكروا ، حتى بادأهم بالتنفير عن دينهم وبيان نقائصه وعيب
آلهتهم . فاشتدت عداوتهم له ولمن تبعه . وعذبوهم عذابا شديدا ، وأرادوا أن يفتنوهم عن دينهم . فمن
فهم هذا :
عرف أن الإسلام لا يستقيم إلا بالعداوة لمن
تركه وعيب دينه وإلا لو
كان لأولئك المعذبين رخصة لفعلوا . وجرى بينه وبينهم ما يطول وصفه .
وقص الله سبحانه بعضه في كتابه . ومن
أشهر ذلك قصة
عمه
أبي طالب
لما
حماه
بنفسه
وماله
وعياله
وعشيرته وقاسى في ذلك الشدائد
العظيمة . وصبر عليها ، ومع ذلك
كان مصدقا له ومادحا لدينه محبا لمن اتبعه معاديا لمن
عاداه لكن لم يدخل فيه ولم يتبرأ من دين
آبائه . واعتذر عن ذلك بأنه لا يرضى
بمسبة
آبائه ولولا ذلك لاتبعه ولما مات - وأراد النبي
صلى الله عليه وسلم الاستغفار له -
أنزل الله عليه ( 9 : 113
)
ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم
.
فيا لها من عبرة ما أبينها ومن عظة ما
أبلغها ومن بيان ما أوضحه لما يظن كثير ممن يدعي اتباع الحق فيمن
أحب الحق وأهله من غير اتباع للحق
لأجل غرض من أغراض الدنيا .
ومما
وقع أيضا : قصته
صلى الله عليه وسلم معهم -
لما قرأ سورة النجم بحضرتهم - فلما وصل إلى قوله
( 53 : 19 ، 20
)
أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى
ألقى
الشيطان في تلاوته تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى . وظنوا أن النبي
صلى الله عليه وسلم
قاله ففرحوا بذلك
فرحا شديدا ،
وتلقاها الصغير والكبير منهم
وقالوا كلاما معناه هذا الذي نريد نحن نقرأ أن الله هو الخالق الرازق المدبر للأمور ولكن نريد شفاعتها عنده . فإذا
أقر بذلك فليس بيننا وبينه أي خلاف . واستمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقرؤها ، فلما بلغ السجدة
سجد وسجدوا معه .
وشاع
الخبر
: أنهم صافوه . حتى إن
الخبر
وصل إلى الصحابة الذين بالحبشة فركبوا بالبحر راجعين لظنهم أن ذلك صدق . فلما ذكر ذلك لرسول الله
صلى الله عليه وسلم
خاف أن
يكون
قاله
فخاف من الله خوفا عظيما ، حتى
أنزل الله عليه
( 22 - 55
)
وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته
- إلى قوله -
عذاب يوم عقيم
فمن
عرف هذه القصة
وعرف ما عليه المشركون اليوم وما
قاله ويقوله علماؤهم ولم يميز بين الإسلام الذي أتى به النبي
صلى الله عليه وسلم وبين دين
قريش
الذي
أرسل الله رسوله ينذرهم عنه وهو الشرك الأكبر
فأبعده الله فإن هذه القصة في غاية الوضوح إلا من
طبع الله على قلبه وسمعه
وجعل على بصره غشاوة فذلك لا
حيلة فيه ولو
كان من أفهم الناس كما
قال الله تعالى في أهل الفهم الذين لم يوفقوا ( 46 : 26 )
ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء
الآية .